عين على الفن التشكيلى
  الاتجاهات التعبيرية بألمانيا
 



الاتجاهات التعبيرية في ألمانيا


 من بين التيارات الفنية الحديثة التي غمرها بريق الضوء و المضمون الفكري ، كانت التعبيرية أكثرها أهمية ، والتعبيرية في الواقع أكثر من أن تكون مجرد أسلوب ، إنها مفهوم للحياة ونظرة عميقة وجدية للعالم ، إنها إسقاط الإنسان على الطبيعة ، وعلى الأحداث ، وعلى الإنسان نفسه ولقد قال بيكاسو مرة ( يتملكني العجب عندما نرسم الأشياء التي نراها نفسها دون التي نعرفها ). ولئن استطاعت التكعيبية و المستقبلية أن تحول النظر عن الحقيقة ،فان التعبيريين أغلقوا عيونهم عن كل ما تشاهده العين العادية ، وأخذوا يصورون من بنات أفكارهم ، دون التأثر بالأشياء المنظورة ، وأصبح التعبير عن المشاعر بأشكال شيئية أهم من التعبير عن الأشياء ذاتها .فالحالة النفسية تضيع بالانطباع البصري المجرد ولكن حدس الفنان و إحساسه يعيد خلق الحالة الوجدانية بصورة حرة بعيدة عن ظل الطريقة و القاعدة وسيان أكان موضوع اللوحة ، طبيعة صامتة أم وجها أم منظرا ، فان التعبيرية إنما تهتم أولا بالتعبير عن وجه وضمير الفنان نفسه ويقول شاغال : ( اننى أعنى أولا بالمجال النفسي ، ولكن الفنان الآخرين يخلقون ( أشياء ) لأنهم يقفون أمام الطبيعة، أما أنا فأقف أمام نفسي ) وهكذا تنوعت الأساليب التعبيرية ، حتى بات عدد الفنانين الذين مارسوا التصوير التعبيري اقل من الصياغات التعبيرية التي قدمت حتى الآن . ومع إن جميع هؤلاء الفنانين لا يخضعون فيما بينهم إلى اى عقيدة مشتركة ، فإنهم يبدون جميعا ، وكأنهم يتبعون مجموعة من القوانين الغريزية التي أعطت لهذه الحركة وحدة عجيبة . ولقد انساق التعبير يون مع اندفاعهم الغريزية القوية ، وغاصوا في أعماق مشاكل النفس وأسرارها وفهموا الطبيعة و الحياة على أنها ظواهر تخضع لقوى طائشة فاجعة في أغلب الأحيان وتبين لهم أن العمل الفني يحتاج إلى وسط يتحرك بمشاعر الفنان نفسه . و الفن التعبيري فن مباشر عفوي و عاطفي ، وأحيانا فن متأزم ملتزم ، وهو عنيف لأنه تعبير عن الدفعة الوجدانية الأولى التي جاءت عقب الحدس الفني . ويخضع الخط عند التعبيريين للانفعال الذاتي ، فهو يمتد وينكسر بصورة طائشة أو تائهة هادئة أو مرحة ، وغالبا ما يكون منكسرا نزقا و ثائرا ، بينما تبرز الألوان بأقصى ما فيها من كثافة ، لكي تعبر عن الحالات النفسية عند الفنان مستخدمة جميع السلالم اللونية العابسة ، كأن تضع الأسود العميق و الرمادي الكئيب تخترقه بلا مقدمات خطوط صفراء أو بنفسجية ناصعة أو خضراء أو حمراء ، زرقاء أو برتقالية وذلك بنوع من التضاد الجريء . ووضع الألوان عند التعبيريين ، يذكر بجرأة الوحشيين ، وجماعة الجسر ( دى بروكه ) .إلا أنها في الواقع تستند إلى طريقة بعض السلف ، أمثال مونخ ،وفان غوغ ، وسليفوك ، ورودون ، وروسو ، وهودلر ، مما يجعلها مستوحاة من محاولات مختلفة مشتركة بين الألمان و الفرنسيين و النمساويين و الهولنديين و الروس ، ولهذا فان التعبيرية امتدت بسرعة الى جميع أنحاء أوروبا وانتقلت أيضا إلى المكسيك و الولايات المتحدة و البرازيل وأصبحت في الواقع خليطا من الأسى النرويجي و الحماس السلاقى و اليأس الفلمنكي ، والقلق اليهودي . ولقد حد الألمان من تطور التعبيرية إلا أن أوروبا اللاتينية طورتها بدافع الرومانتية واتجاه المدنية الغربية من الصياغة القاسية إلى وسيلة كاشفة عن الجمال أينما هو . وعلى الرغم من العقول اللامعة التي تبنت هذه الحركة فإنها بقيت في الواقع ظاهرة تفجرت فيها الحيوية البدائية . وكانت مع ما اتصفت به من معاكستها للروحانية و الأخلاق، قد استطاعت إن تكشف عن الفردوس المفقود للفنون البدائية السابقة للتاريخ. ولقد أخذت التعبيرية شكلا مدرسيا بعد ظهور حركة الجسر ( دى بروكه ) عام 1905 فى درسدن والتى ضمت كوشنر 1880 وشميت روتلوف وهيكل ونولده (1867- 1938) وقد تميزت هذه الحركة بأسلوب ينعطف قليلا نحو البدائية المستوحاة من الفن الافريقى . وعندما كانت مدرسة الجسر تأخذ بالزوال عام 1913 ظهرت مدرسة الفارس الأزرق ( والتسمية مأخوذة من لوحة صغيرة لكاندنسكى ) ولقد أسست هذه المدرسة في مونيخ وتطورت نحو التجريدي . وكانت من ممثليها فرانز مارك ( 1880-1916) وأوغست ماكه ( 1879-1940) ثم كندينسكى ( 1866-1944) الممثل الصحيح لهذه الحركة . ولقد ظهرت التعبيرية بكامل قوتها عند نولدة و كيرشنر ، وهيكل وروتلوف وآخرين غيرهم .ولقد ابتدأت جماعة ( الفارس الأزرق ) بالتعبير الذاتي وبعد ذلك انصرف التعبير يون عن التشكيل المحض إلى اتجاهات فردية .ومنذ ذلك الوقت لم يبق للمدرسة وجود ، ولم يبق منها إلا فنانون قلائل ن إذ لم يعد أسلوب كاندينسكى أو فايننغر أو كلى أو جاولنسكى أو بكمان يرتبط بأى رابطة شكلية مع التعبيرية فلقد كان كل منهم يحاول أن يسير فى اتجاه خاص ، خارج تماما عن القواعد الأولية للتعبيرية . وعقب الحرب العالمية الأولى ، وبعد نجاح الثورة البلشيفية ، تغلغلت الأفكار الاشتراكية في أذهان بعض التعبيريين الشباب ، فقاموا يعالجون بعض الصور بأسلوب مختلف جدا عن الأسلوب رفاقهم الذين ابتعدوا تماما عن أي تأثير سياسي ، وهكذا أوجد بارلاش و كولويتيز وديكس و غروز طريقة الحقائقية التي لم تكن الرد فعل قوى للطريقة الواقعية . ومع أن هؤلاء الحقائقيين كانوا يستعملون نفس الخطوط و الألوان الخاصة بالتعبيريين ، وإلا أنهم اختلفوا عنهم في التزامهم هدفا معينا ، كأن يخدم الفن فكرة معينة . فليس هدف الفن أن يخدم الجمال بل إن هناك أغراضا فكرية و اجتماعية . أكثر أهمية من الجمال ذاته ، وكان هذا اتجاه غروز و أصدقائه ، وبه شق أول طريق للفن الملتزم . ولكن طريقة الحقائقيين الملتزمين أصبحت واقعية موضوعية جافة و باردة ، وذلك بتأثير الفنانين الألمان في القرن السادس عشر . لهذا ظهرت في ذلك الوقت طريقة أخرى هي الموضوعية الجديدة وهى طريقة موضوعية صرفة ، تخضع للطبيعة وحدها دون الانفعالات الذاتية ، وعندما تحاول إبراز العوامل الذاتية ، فإنها تختار موضوعاتها من خلال الأفعال و الحركات و الموضوعات الخاصة بالحياة اليومية معبرة عن الطابع الذاتي بشيء من الحذر و الدقة و بخطوط قليلة و مسيطرة بألوان ناصعة ومفيدة ، وبإيقاع مليء بالمقاطع . ولا شبه بينهم في اهتمامهم بالحقيقة و احترامهم الحياة ، وبين الطبيعيين.ويمكننا أن نقول أنهم من الناحية الفكرية ، وخاصة الناحية الشعرية الغامضة و السحرية ، يذكرون بالطريقة السريالية التي يتبعها دى كيريكو. كذلك فان ( الموضوعية الجديدة ) تقترب من الكلاسيكية الجديدة، ولكن دون أن تحمل طابع رد الفعل . وبصورة موازية ( للموضوعية الجديدة ) ، نمت طريقة جديدة في قلب التعبيرية ، وهى تتبع طريقة زخرفيه أثرية ، ويعتبر شلمر و الفنان الشاب بومستر من أهم الفنانين الذين يمثلون هذه الطريقة وهى الطريقة البنائية

 


.

 
  عدد زوار هذا الموقع 129359 visiteurs:شكرا  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement